الاثنين، 29 نوفمبر 2010

مكانة الكتب عند علماء المسلمين - موضوع شيق بحق

كانت لكتب العلم مكانة عظيمة في نفوس العلماء فهي جليسهم الذي لا يمل ورفيقهم في السفر ومائدتهم في الجلسات وأنسهم في الخلوات.

قيل لابن المبارك : يا أبا عبد الرحمن لو خرجت فجلست مع أصحابك قال : إني إذا كنت في المنزل جالست أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يعني النظر في الكتب.

وقال شفيق بن إبراهيم البلخي: قلنا لابن مبارك : إذا صليت معنا لا تجلس معنا ؟ قال اذهب فاجلس مع التابعين والصحابة . قلنا فأين التابعين والصحابة ؟ قال : اذهب فانظر في علمي فأدرك آثارهم وأعمالهم ما اصنع معكم ؟ انتم تجلسون تغتابون الناس.

وكان الزهري - رحمة الله - قد جمع من الكتب شيئا عظيما وكان يلازمها شديدة حتى أن زوجته قالت : ( والله إن هذه الكتب اشد علي من ثلاث ضرائر ) وقيل لبعضهم : من يؤنسك ؟ فضرب بيده إلى كتبه وقال : هذه . فقيل : من الناس ؟ فقال : الذين فيها.

وكانوا رحمهم الله - يقرؤون في جميع أحوالهم يقول ابن القيم رحمة الله - : ( واعرف من أصابه مرض من صداع وحمى وكان الكتاب عند رأسه فإذا وجد أفاقة فيه فإذا غلب وضعه فدخل عليه الطبيب يوما وهو كذلك فقال : إن هذا لا يحل لك ).

وري عن الحسن اللؤلؤي أنه قال : لقد غبرت لي أربعون عاما ما قمت ولا نمت إلا والكتاب على صدري.

وكان بعضهم ينام والدفاتر حول فراشة ينظر فيها متى انتبه من نومه وقبل أن ينام.

وكان بعض أهل العلم يشترط على من يدعوه أن يوفر له مكانا في المجلس يضع فيه كتابا ليقرأ فيه.

وربما احترق يصل ذلك إلى بعض شعره وقال أبو العباس المبرد: ما رأيت أحرص على العلم من ثلاثة : الجاحظ وكان معتزليا من أهل البدعة والفتح بن خاقان وإسماعيل بن إسحاق القاضي.

فأما الجاحظ فانه كان إذا وقع في يده كتاب قرأه من أوله إلى آخره ، أي كتاب كان.

وأما الفتح فكان يحمل الكتاب في خفه فإذا قام من بين يدي المتوكل ليبول أو ليصلي اخرج الكتاب فنظر فيه وهو يمشي حتى يبلغ الموضع الذي يريد ثم يصنع مثل ذلك في رجوعه إلى أن يأخذ مجلسه.

وأما إسماعيل بن إسحاق فإني ما دخلت عليه قط إلا وفي يده كتاب ينظر فيه أو يقلب الكتب لطلب كتاب ينظر فيه.

ولقد كان حرص السلف وعلماء المسلمين على جمع الكتب والنظر فيها عظيما قال ابن الجوزي - رحمة الله : ( اني اخبر عن حالي ما اشبع من طالعة الكتب ، وإذا رأيت كتابا لم أره فكأني وقعت على كنز.

ولو قلت أنى طالعت عشرين ألف مجلد كان اكثر وأنا بعد في الطلب ).

وقال بعضهم : ( إذا استحسنت الكتاب واستجدته ورجوت منه الفائدة ورأيت ذلك فيه فلو تراني وأنا ساعة انظر كم بقى من ورقة مخافة استنفاده ).

وكانوا ينفقون في تحصيل الكتب الأموال الطائلة وربما انفق بعضهم كل ما يملك في ذلك قال بعضهم لما عاتبته زوجته في كثرة ما ينفق على الكتب:

يمينك من مال فقلت دعيني *** وقائلة أنفقت في الكتب ما حوت

لأخذ كتابي آمنا بيميني *** لعلي أرى فيها كتابا يدلني

واشترى الفيروز آبادي بخمسين ألف مثقال ذهبا كتبا وكان لا يسافر إلا ومعه أحمال منها ينظر فيها كلما نزل في سفره.

وكان بعض العلماء يحسبون عند تفصيل ثيابهم حساب الكتب فهذا أبو داود - رحمة الله - كان له كم واسع وكم ضيق فقيل في ذلك فقال : ( الواسع للكتب والآخر يحتاج إليه ).

وكان عند بعضهم خزانة كتب ليس فيها إلا وله ثلاث نسخ وبلغ من اهتمامهم بالكتب انهم ألفوا تأليف خاصة ذات فصول وأبواب عن آداب طالب العلم مع كتابه وكيفية النسخ والحث على الجيد من الورق وصفة القلم الذي يكتب به والحبر ولونه وطرق المحافظة على الكتاب ، وغير ذلك من الآداب.


شبكة اقرأ السلفية - عالم الكِـتاب .
www.eqra.net

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق